شرح قصيدة أندلسية أحمد شوقي وهو في غربته في أسبانيا

شرح أبيات قصيدة أحمد شوقي: "أندلسية"

شرح أبيات قصيدة أحمد شوقي: "أندلسية"


قصيدة “أندلسية” للشاعر أحمد شوقي هي واحدة من أبرز القصائد التي تعبر عن الحنين والشوق إلى الأندلس، تلك الأرض التي ذاق أهلها مرارة الفقد. كتب شوقي هذه القصيدة أثناء فترة غربته في إسبانيا، حيث أسهب في التعبير عن مشاعره تجاه وطنه الحبيب مصر، وكذلك عن حزنه لرحيل الأندلس من التاريخ العربي. تتسم القصيدة بالعديد من الخصائص الأدبية والفنية التي تعكس التجديد في الشعر العربي في ذلك الوقت.

تعريف القصيدة:

“أندلسية” هي قصيدة للشاعر أحمد شوقي كتبها خلال منفاه في إسبانيا عام 1916، وهي معارضة لشعراء الأندلس وتستحضر معاناة الشاعر في المنفى والشوق إلى وطنه. تميزت القصيدة بموضوعها الذي يتناول الحنين للوطن والألم الناتج عن الفراق، بالإضافة إلى استخدام شوقي للعديد من الأساليب البلاغية التي تعزز من قوة معاني القصيدة.

يا نائـح الطلحِ أشباهٌ عواديـنا … نشْجى لواديـك أم نأسى لواديـنا
ماذا تـقصُّ عليـنا غيرَ أنّ يـداً … قصـَّـتَ جـناحك جالت في حواشينا
رمى بـنـا البـيـن أيـكاً غير سامِرنا … أخا الغـريـب وظلاًّ غيرَ نادينا
فإنَ يَكُ الجنسُ يا ابن الطَّلْحِ فـرّفنا … إن المصائب يـجـمعـنَ المُصابيـنا
لكنَّ مصرَ وإن أغضتْ على مقةٍ … عينٌ مـن الخلدِ بالكافور تسقينا
على جوانبها رَفَّتْ تمائمنا … وحولَ حافاتها قامتْ رواقينا
بنَّا فلم نَخلُ من روح يراوحنا … من بَرّ مصرَ وريـحانٍ يُغاديـنا
كأمِّ موسى على اسمِ الله تكْفُلُنا … وباسمهِ ذهبتْ في اليَمِّ تُلقِينا
يا ساري البرقِ يرمي عن جوانحنا … بعدَ الهدوءِ ويهمي عن مآقينا
لمّا ترقرق في دمع السماءِ دماً… هاج البكا فخضبْناَ الأرضَ باكينا
الليلُ يشهد لم نهتـِك دياجِيـَهُ … على نيامٍ ولم نهـتـف بساليـنا
فقِف إلى النيل واهتـف في خمائله … وانزل كما نزل الطلُّ الرَّياحينا
وآسِ ما بَاتَ يـذوِي من منازلنا … بالحادثات ويضوي من مغانينا
ويا معطِّرةَ الوادي سرَتْ سَحَراً … فطابَ كلُّ طروحٍ من مرامينا
ذكيَّة اللَّيل لو خِلنا غلالتها … قميصَ يوسفَ لم نحسبْ مُغالينا
جشمتِ شوْكَ السُّرى حتى أتيتِ لنا … بالورد كتباً وبالرَيَّا عناوينا
فلو جزيناك بالأرواح غاليةٌ … عن طيب مسراك لم تنهض جوازينا
هل من ذيـولكِ مسْكِيٌّ نحَمِّلُه … غرائب الشوق وَشياً من أمالينا
إلى الذين وجدنا وُدَّ غيـرهمُ … دُنيا وودّهم الصافي هو الدينا
يا من نغارُ عليهم من ضمـائرنا … ومن مَصون هـواهـم في تناجينا
خاب الحنينُ إليكم في خواطرِنا … عن الدّلال عليـكم فـي أمانينا
جئنا إلى الصبر ندعوه كعادتنا … في النائبات فلم يـأخذ بـأيدينا
وما غلبنا على دمع ولا جلدٍ … حتى أتتنا نواكم من صيـاصينا
ونابغيّ كأن الحشر آخره … تُميـتنا فيه ذكراكم وتُحيينا
نَطوي دجاه بجرحٍ من فراقكم … يكاد في غلَس الأسحـار يـطويـنا
إذا رَسا النجمُ لم تـرقأ مَـحاجِـرنا … حتى يـزول ولم تـهدأْ تراقينا
يبدو النهارُ فيخفيه تـجلـُّـدُنا … للشامـتين ويأْسُوه تأيِّينا
سقياً لعهدٍ كأكناف الرُّبى رفةً … أَنَّى ذهبنا وأعطاف الصَّبا لينا
إذِ الزمـانُ بنا غيناءُ زاهيـةٌ … ترفُّ أوقاتُنا فيـها رَيَاحيـنا
الوصلُ صافيـةٌ والعـيشُ ناغيةٌ … والسعدُ حاشيةٌ والدهرُ ماشينا
والشمس تختال في العقيان تحسبها .. بلقيس ترفُلُ في وشيِ اليـمَانينا
والنيلُ يٌقـبِـل كالدنـيا إذا احتـفلت … لو كان فيها وفاءٌ للمُصافيـنا
والسعد لوْ دام والنعمَى لو اطَّـردتْ … والسيل لَو عَـفَّ والمقدار لو دينا
ألقى على الأرض حتى رَدَّها ذهبا … ماءً لمسنا به الإكسير أو طينا
أعداه من يُمنِه التابوتُ وارتسَمَتْ … على جوانبه الأنوارُ من سينا
له مبالغُ ما في الخُلْقِ من كرَمٍ … عهدُ الكرامِ وميثاقُ الوفيِّينا
لم يجرِ للدهرِ إعذارٌ ولا عُرُسٌ … إلاَّ بأيامـنا أو في ليالينا
ولا حوى السعـدُ أطغى في أعنَّته … كنَّا جياداً ولا أرحى ميادينا
نحن اليواقيتُ خاض النارَ جَوهَرُنا … ولم يهُنْ بيدِ التشتـيـتِ غالينا
ولا يحول لنا صـــبغٍ ولا خُلُقٌ … إذا تلّون كالحرباء شانينا
لم تنزل الشمسُ ميزاناً ولا صعدَتْ … في مُلكها الضخمِ عرشاَ مثلَ وادينا
ألم تُـؤلَّه على حافاتـه ورأتْ … عليه أبناءها الغـرَّ المـيـاميـنا
إن غازلت شاطئيه في الضحى لبسا .. خمائل السُّندُس الموشيَّةِ الغينا
وبات كلُّ مجاج الوادِ من شجرٍ … لوافظِ القزِّ بالخيـطان ترمينا
وهذه الأرضُ من سهلٍ ومن جبلِ … قبل القياصر دِنَّاها فراعيـنا
ولم يضع حجراً بانٍ على حجرٍ … في الأرض إلاَّ على آثار بانينا
كأنّ أهرام مصرِ حائطٌ نهضت … به يدُ الدهرِ لا بـنيانُ فانيـنا
إيوانُه الفخمُ من عُليا مقاصره … يُفني الملوك ولا يُـبقي الأواوينا
كأنها ورمالا حولها التطمتْ … سفيـنةٌ غـرقتْ إلاَّ أساطينا
كأنها تـحت لألاء الضُّحى ذهباً … كنوزُ فِـرعون غطَّين الموازينا
أرضُ الأبـوةِ والمـيـلاد طيَّبها … مـــرُّ الصِّبا في ذيـول من تصابينا
كانت مُـحـجـَّلةً فـيـها مـواقِفُنا … غُـرَّاً مُسلْسَلَةَ المجرى قوافينا
فآب مِنْ كُرةِ الأيامِ لاعِبنا … وثاب مِنْ سِنةِ الأحلامِ لاهينا
ولم ندع لليالي صافياً فدعتْ … (بأن نغصَّ فقال الدهرُ آمينا)
لو استطعنا لخُضْنَا الجوّ صاعقةً … والبرَّ نارَ وَغىً والبحرَ غسلينا
سعياً إلى مصرَ نقضي حقَّ ذاكرنا … فيها إذا نَسيَ الوافي وباكينا
كنزٌ بحُلوان عندَ اللهِ نطلُبُه … خيـرَ الودائع من خير المؤدِّينا
لو غاب كلُّ عزيز عنه غَيبتَنَا … لم يأتِه الشوقُ إلاَّ من نواحينا
إذا حمَلْنا لمصـر أو لـهُ شَجَناً … لم ندرِ أيُّ هوى الأمين شاجينا

شرح قصيدة “أندلسية” لأحمد شوقي

البيت الأول: “يا نائح الطلح أشباه عوادينا نشجى لواديك أم نأسى لواديـنا”

شرح المفردات:

  • الطلح: نوع من الشجر الذي يُستخدم في إشارة إلى المكان الذي كان يَذكره المعتمد بن عباد في أشعاره، وهو وادي في أشبيلية.
  • عوادينا: جمع كلمة “عادية” التي تعني النوازل أو المصائب التي تصيب الناس.
  • نشجى: نحزن.
  • نأسى: نشعر بالحزن.

المستوى البلاغي:

  • الشاعر يبدأ بالنداء على “نائح الطلح” ويستخدمه للتعبير عن حزنٍ عميقٍ يعيشه.
  • في الاستفهام “نشجى أم نأسى؟” يُظهر الشاعر حيرته بين حزنه على وطنه أو حزنه على أرضه التي رحل عنها.
  • الترادف بين “نشجى” و”نأسى” يعكس تعدد أساليب التعبير عن الحزن.

المستوى الصوتي:

  • يتسم البيت بجناس بين “عوادينا” و”وادينا” مما يعزز تكرار الصوت الداخلي في القصيدة ويزيد من موسيقيتها.
  • التكرار في “واديك” و”وادينا” يُظهر الحزن العميق الذي يشعر به الشاعر.

المستوى الدلالي:

  • البيت يُظهر المقارنة بين الشاعر وحالة الطائر (الحمام) الذي يرمز إلى الشاعر الذي فقد وطنه. هذا الحنين والتعبير عن الفراق يشير إلى معاناة شوقي في المنفى.

البيت الثاني: “ماذا تقص علينا غير أن يداً … قصت جناحك جالت في حواشينا”

المستوى البلاغي:

  • الاستفهام في “ماذا تقص علينا؟” يعكس الإحباط والتساؤل عن الأخبار السيئة، مما يشير إلى رغبة الشاعر في معرفة ما وراء معاناته.
  • الجناس بين “تقص” و”قصت” يعطي جرسًا موسيقيًا، وهو نوع من التكرار الصوتي لإبراز الحزن.

المستوى الدلالي:

  • يُظهر الشاعر في هذا البيت أن المصيبة التي حلت على الطائر (الحمام) مماثلة لما يعانيه هو، فالعذاب الذي مرّ به هو نفسه الذي يعيشه، ما يُجسّد الألم الناتج عن الفراق.

البيت الثالث: “رمى بنا البين أيكاً غير سامرنا … أخا الغريب وظلا غير نادينا”

المستوى البلاغي:

  • استعارة مكنية في “رمى بنا البين” حيث يتم تجسيد الفراق كشيء مادي يرمي الشاعر بعيدًا عن وطنه.
  • النداء “أخا الغريب” يعبّر عن وحدة معاناته مع من هم في المنفى، مشيرًا إلى مشاعر الحزن والوحدة.

المستوى الدلالي:

  • يعكس البيت محنة الشاعر العاطفية مع الفراق والهجر، مُظهرًا تأثره الشديد من البعد عن وطنه والأرض التي اعتاد عليها.

البيت الرابع: “فإن يكُ الجنسُ يا ابن الطَّلحِ فرّفنا … إن المصائب يجمعن المصابينا”

المستوى التركيبي:

  • البيت يوضح فكرتين: الأولى أن الفراق بين الناس موجود بوجود الاختلاف في الجنس، ولكن المصائب توحد بينهم.
  • استخدام الشاعر لأسلوب الحكمة “إن المصائب يجمعن المصابينا” يعكس دروس الحياة.

المستوى البلاغي:

  • استعارة مكنية في “المصائب يجمعن” حيث يتم تجسيد المصائب ككائن موحّد لكل من يعاني.
  • النداء “يا ابن الطلح” يشير إلى أن الشاعر يتوجه إلى من يشاركه نفس المعاناة.

المستوى الدلالي:

  • يظهر البيت الوحدة التي يجلبها الفراق، ولكنه يُظهر أيضًا الحكمة من خلال ربط المصائب معًا في تجربة شوقي الخاصة.

جدول معاني الكلمات:

الكلمةالمعنى
الطلحشجر عظام به سمى واد بظاهر أشبيلية
العوادينوازل الدهر ومصائبه
نشجىنحزن
نأسينحزن
جالتتحركت وطافت في أحشائنا
حواشيناجوانبنا (ما في البطن)
الطلحشجرة كثيفة
نائحالحمام (من الشعراء)

جدول الأساليب البلاغية:

الأسلوب البلاغيالمعنى
النداءدعوة للمشاركة في المأساة
الاستفهاماستفهام للتسوية
الجناسعلاقة بين الكلمات المتشابهة في الصوت
التكرارالتكرار للتأكيد على المعنى
الاستعارة المكنيةتشبيه شيء بشيء آخر باستخدام استعارة
المقابلةمقارنة بين ضدين
التشبيهمقارنة بين شيءين باستخدام أداة مقارنة
الطباقمقابلة بين معنى ضدين

لا تعليق

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *