درس “الرِّضا” | الصف الثامن الرضا من أعظم المقامات الإيمانية التي تثمر الطمأنينة في القلب، وتمنح الإنسان السكينة في حياته رغم ما يمر به من صعوبات. نستعرض في هذا الموضوع المفهوم الإسلامي للرضا، مقارنةً بنظرة الدراسات الحديثة، مع نماذج قرآنية، وثمار هذا الخُلق الرفيع.
الفقرة الأولى: أثر الرِّضا على حياة الإنسان
الرِّضا له انعكاسات مباشرة على ما يعيشه الإنسان في حياته من سعادة وراحة وقناعة، أو ما قد يواجهه من حزن، وقلق، ومشقّة؛ فالراضي وغير الراضي لا يقطعان على مسافة واحدة من أقدار الحياة وأحداثها، وهناك فرقٌ بين التصور الإسلامي لمفهوم الرِّضا، ونظرة بعض الدراسات النفسية الحديثة، التي ركّزت في الرضا على الجوانب المادية المتعلقة بإشباع الحاجات والرغبات، وتحقيق الأهداف والغايات، فحصرته في مجالات محدودة ضيقة لا تتجاوز حدود الرضا عن الذات، والرضا الأسري، والرضا الاجتماعي، والرضا الوظيفي، بينما يتم تغييِب الجانب الإيماني المتعلق برضا الله تعالى عن العبد، ورضا العبد عن الله. درس “الرِّضا” | الصف الثامن
الفقرة الثانية: رضا الله هو الغاية العظمى
فأعظم الرِّضا رضا الله سبحانه عن عبده، وهو في ذاته أكرم مثوبة: {ورِضْوَانٌ مِنَ اللَّهِ أَكْبَرُ} [التوبة: 72]، وهو أعلى مطلوب عند الأنبياء، والغاية التي شمر إليها عباده الصالحون، فهذا سليمان عليه السلام لما أعطي، قال: {هَذَا مِنْ فَضْلِ رَبِّي}، يدعو ربه أن يوفقه للعمل الصالح الذي يرضاه، وموسى عليه السلام أعده ربه جانب الطور الأيمن فادار به طمعاً في رضاه: {وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضَى} [طه: 84]، ووصف الله نبيَّه محمداً وأصحابه بإحسان العمل ابتغاء رضوان الله تعالى، فقال: {يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا} [الفتح: 29].
الفقرة الثالثة: الرضا يورث الطمأنينة وحسن الظن بالله
أما الرضا عن الله فيكون بسكون القلب تحت مجرى الأحكام، والاطمئنان إلى اختيار الله، والثقة بتقديره من غير سخط ولا جزع، فتطيب النفس بما يصيبها ويؤذيها، قال تعالى: {رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ} [التوبة: 100]، وهذا التعبير بالرضا المتبادل يرفع من شأن هؤلاء المؤمنين، فهم يبادلون ربهم الرِّضا، وهو ربهم الأعلى، وهم عبيده المخلوقون، وهو حال وشأن لا تملك الألفاظ أن تعبّر عنه.
الفقرة الرابعة: أثر الرضا في حياة الإنسان وثقته بأقدار الله
الرِّضا بالله أصل الرضا عنه، والرضا عنه ثمرة الرضا به؛ فالرضا عن الله تعالى يستلزم الرضا به رباً ومدبّراً أولاً، ثم الرضا عن كل ما أمر به وقضى وحكم، والرضا هو نهاية التوكل، ففى المقدمات لا بد من الأخذ بالأسباب. فقد جعل الله تعالى لكل شيء سبباً، فإذا جاءت النتائج على غير ما يرغب لا يتهم الأقدار بحال من الأحوال، بل يرضى كل الرِّضا عن قدر الله، فيبقى في قوّة ومنعة، ولا تذهب نفسه حسرات؛ لأنه موقن بأنه يتحرك ضمن المشيئة الربانية، لذلك من دخل باب الرضا فهو آمن على نفسه من الهموم، والأمراض الجسدية والنفسية الناتجة عن السخط والجزع؛ فالرضا هو جنة الدنيا، لما يعيشه من الطمأنينة، وبرَد القلب، وسكونه.
الفقرة الخامسة: الرضا أعلى من الصبر ولا ينافي الحزن
الرِّضا أعلى من الصبر؛ فهو صبرٌ وزيادة، وليس من شرط الرضا ألا يحس الإنسان بالآلام والمكاره والحزن، بل ألا يعترض على الحكم ولا يسخط؛ فالشعور بالألم لا يناقض الرضا، كرضا المريض بشرب الدواء، وهو كارهٌ له، ورضا الصائم في اليوم الشديد الحر بما يناله من ألم الجوع والعطش، والحزن أمر فطري جبل عليه الإنسان، وسيدنا محمد صلى الله عليه وسلم ذرفت عيناه حزناً عند موت ابنه إبراهيم، ولكنه كان راضياً، وقال: {إِنَّ الْعَيْنَ تَدْمَعُ، وَالْقَلْبَ يَحْزَنُ، وَلَا نَقُولُ إِلَّا مَا يُرْضِي رَبَّنَا} [البخاري: 1303]، ويعقوب عليه السلام ابيضّت عيناه من الحزن، ولكنه لم يسخط، ولم يشكُ لأحدٍ إلا لله تعالى.
الفقرة السادسة: الرضا لا ينافي السعي ولا الاستباق للخير
ولا يستلزم الرضا السلبية والقعود عن تغيير الواقع السيّئ، بل يجب على الإنسان أن يراجع نفسه وعمله؛ ليعرف جوانب تقصيره وخطأه؛ بما يعينه في تحسين واقعه، والوصول به إلى ما هو أفضل وأنفع من خلال الأخذ بالأسباب التي ينهض بها من غير يأس ودون توقُّف.
نسأل الله أن يرزقنا الرِّضا به وعنه، وأن يجعلنا من عباده الراضين المرضيين.
درس “الرِّضا” | الصف الثامن اسئلة وتدريبات
أولًا: الرضا في الدراسات النفسية الحديثة
تركز الدراسات الحديثة على الجوانب المادية والوظيفية فقط، حيث تحصر الرضا في مجالات ضيّقة مثل:
- الرضا عن الذات
- الرضا الأسري
- الرضا الاجتماعي
- الرضا الوظيفي
بينما يتجاوز المفهوم الإسلامي ذلك إلى الرضا عن الله تعالى وبه، وهو أرقى مراتب الطمأنينة.
ثانيًا: رضا الله عن عباده
- أعظم المثوبات: “ورضوانٌ من الله أكبر”
- الغاية العليا التي شمر إليها الصالحون
نماذج من القرآن الكريم:
- سليمان عليه السلام: دعا الله أن يوفقه للعمل الذي يرضيه.
- موسى عليه السلام: بادر إلى ربه طمعًا في رضاه.
- النبي محمد ﷺ وأصحابه: وصفهم الله بـ “يحسنون العمل ابتغاء رضوان الله”.
ثالثًا: كيف يتحقق رضا العبد عن الله؟
يتحقق رضا العبد عن الله تعالى عبر:
- سكون القلب تحت مجرى الأحكام
- الاطمئنان إلى اختيار الله
- الثقة بتقديره دون سخط أو جزع
- تطيب النفس بما يصيبها أو يفوتها
قال تعالى: “رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ”
وهو تعبير عن رضا متبادل يرفع مكانة المؤمنين عند ربهم، وهم عبيده، بينما هو ربهم الأعلى.
الفرق بين “الرضا بالله” و”الرضا عن الله”
- الرضا بالله: هو أصل الرضا
- الرضا عن الله: هو ثمرة الرضا بالله
- الرضا عن الله يعني قبول كل ما قدره وأمر به، وتسليم النفس لمشيئة الله.
ثمرات الرضا بالله تعالى
- التوكل على الله
- الأمان النفسي
- طمأنينة القلب
- برودة وسكون المشاعر
- النجاة من الأمراض النفسية والجسدية
- بقاء النفس قوية غير مستسلمة
- اليقين المطلق بمشيئة الله في كل أمر
العلاقة بين الرضا والصبر
- الرضا أعلى من الصبر، فهو صبر وزيادة.
- الشعور بالألم لا ينافي الرضا، بل الرضا هو عدم الاعتراض على القدر.
- النبي ﷺ حزن عند موت إبراهيم، وبكى وقال:
“إِنَّ العَيْنَ تَدْمَعُ، والقَلْبَ يَحْزَنُ، وَلَا نَقُولُ إِلَّا ما يَرْضَى رَبُّنَا”
هل الرضا يعني السلبية أو القعود؟
- لا، لا يعني الرضا الاستسلام أو التوقف عن العمل.
- يجب على الإنسان أن يراجع نفسه، ويصلح تقصيره، ويسعى لتحسين واقعه.
خلاصة الدرس
الرضا هو حال القلب المؤمن الواثق بالله، الذي يرى ما عند الله خيرٌ مما فاته، ويسلم لأقداره دون اعتراض. هو ركنٌ من أركان السعادة الإيمانية، ودرع في وجه الابتلاءات.



المزيد في ديني قيمي:
- درس عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه للصف الثامن للفصل الدراسي الثاني
يتناول هذا الدرس سيرة الصحابي عبد الرحمن بن عوف، ويُبرز كيف كان الرضا بقضاء الله من صفاته، مما يُعزز فهم الطلاب لتطبيقات الرضا في حياة الصحابة. - درس الاستشارة للصف الثامن للفصل الدراسي الثاني
يركز هذا الدرس على أهمية الشورى والاستشارة في الإسلام، مما يُكمل مفهوم الرضا بالتأكيد على السعي واتخاذ الأسباب مع التوكل على الله. - درس رحلة الحج (2) للصف الثامن للفصل الدراسي الثاني
يُوضح هذا الدرس مناسك الحج، ويُظهر كيف يُمثل الحج تطبيقًا عمليًا للرضا والتسليم لأوامر الله، مما يُعزز فهم الطلاب للرضا في العبادات.
لا تعليق